سورة الرحمن - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي من التنبيهِ والتحذيرِ والمساهلةِ والعفوِ مع كمالِ القدرةِ على العقوبةِ {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ} قيلَ: هو اللهبُ الخالصُ وقيلَ: المختلطُ بالدخانِ وقيل: اللهبُ الأخضرُ المنقطعُ من النارِ وقيل: هو الدخانُ الخارجُ من اللهبِ وقيلَ: هو النارُ والدخانُ جميعاً. وقرئ: {شِواظٌ} بكسرِ الشينِ {مّن نَّارٍ} متعلقٌ بيرسلُ أو بمضمرٍ هو صفةٌ لشواظٌ أي كائنٌ من نارٍ، والتنوينُ للتفخيمِ {وَنُحَاسٌ} أي دُخانٌ وقيلَ: صُفرٌ مذابٌ يصبُّ على رؤوسِهم، وقرئ بكسرِ النُّونِ، وقرئ بالجرِّ عطفاً على نارٍ، وقرئ: {نُرسلُ} بنونِ العظمةِ، ونصبِ شُواظاً ونحاساً، وقرئ: {نُحُس} جمعُ نِحاسِ مثلُ لِحافِ ولُحُفِ، وقرئ: {ونَحُسُّ} أي نقتلُ بالعذابِ. {فَلاَ تَنتَصِرَانِ} أي لا تمتنعانِ {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} فإنَّ بيانَ عاقبةِ ما هُم عليهِ من الكفرِ والمَعَاصِي لطفٌ وأيُّ لُطفٍ ونعمةٌ وأيُّ نعمةٍ. {فَإِذَا انشقت السماء} أي انصدعتْ يومَ القيامةِ {فَكَانَتْ وَرْدَةً} كوردةٍ حمراءَ وقرئ: {وردةٌ} بالرفعِ على أنَّ كانَ تامةٌ أيَّ حصلتْ سماءٌ وردةٌ فيكونُ من بابِ التجريدِ كقولِ منْ قالَ:
وَلَئِنْ بَقيْتُ لأَرْحَلَّنَّ بغزوة *** تَحوِي الغنائمَ أَوْ يموتَ كريمُ
{كالدهان} خبرٌ ثانٍ لكانَتْ، أو نعتٌ لوردةً أو حالٌ من اسمِ كانتْ، أي كدُهنِ الزيتِ، وهو إمَّا جمعُ دُهنٍ، أو اسمٌ لَما يُدهنُ بهِ كالحِزامِ والأدامِ، وقيلَ: هو الأديمُ الأحمرُ. وجوابُ إذَا محذوفٌ أي يكونُ من الأحوالِ والأهوالِ ما لا يحيطُ بهِ دائرةُ المقالِ. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مع عظمِ شأنِها {فَيَوْمَئِذٍ} أي يومَ إذُ تنشقُ السماءُ حسبَما ذُكِرَ. {لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} لأنَّهم يُعرفونَ بسيماهُم وذلكَ أولَ ما يخرجونَ من القبورِ ويحشرونَ إلى الموقفِ ذَوْداً ذَوداً على اختلافِ مراتبِهم، وأما قولُه تعالى: {فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ونحُوه ففي موقفِ المناقشةِ والحسابِ، وضميرُ ذنبِه للإنسِ لتقدمِه رتبةً، وإفرادُه لما أنَّ المرادَ فردٌ من الإنسِ كأنَّه قيلَ: لا يُسألُ عن ذنبهِ إنسيٌّ ولا جنيٌّ. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} معَ كثرةِ منافعِها، فإنَّ الإخبارَ بما ذُكِرَ ممَّا يزجرُكُم عن الشرِّ المؤدِّي إليهِ، وأما ما قيلَ: ممَّا أنعمَ الله على عبادِه المؤمنينَ في هذا اليومِ فلا تعلقَ لهُ بالمقامِ.


وقوله تعالى: {يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم} استئنافٌ يَجْرِي مَجْرى التعليلِ لعدمِ السؤالِ، قيلَ: يُعرفونَ بسوادِ الوجوهِ وزرقةِ العُيونِ، وقيلَ: بما يعلُوهم منِ الكآبةِ والحُزنِ {فَيُؤْخَذُ بالنواصى والأقدام} الجارُّ والمجرورُ هُو القائمُ مقامَ الفاعلِ، يُقَالُ أخذَهُ إِذَا كانَ المأخوذُ مقصوداً بالأخذِ، ومنه قولُه تعالى: {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} ونحُوه. وأخذَ بهِ إذَا كانَ المأخوذُ شيئاً من ملابساتِ المقصودِ بالأخذِ منه قولُه تعالى: {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى} وقولُ المستغيثِ خُذْ بيدِي أخذَ الله بيدِك. أيْ يُجمعُ بين نواصِيهم وأقدامِهم في سلسلةٍ من وراءِ ظُهورِهم، وقيلَ: تسحبُهم الملائكةُ، تارةً تأخذُ بالنَّواصِي وتارةً تأخذُ بالأقدامِ. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}. وقوله تعالى: {هذه جَهَنَّمُ التى يُكَذّبُ بِهَا المجرمون} على إرادةِ القولِ، أيْ يقالُ لهُم ذلكَ بطريقِ التوبيخِ على أنَّ الجملةَ إمَّاستئنافٌ وقعَ جواباً عن سؤالٍ ناشىءٍ من حكايةِ الأخذِ بالنَّواصِي والأقدامِ، كأنَّه قيلَ: فماذا يفعلُ بهِم عندَ ذلكَ فقيلَ يقالُ إلخ. أو حالٌ من أصحابِ النواصِي والأقدامِ، لأنَّ الألفَ واللامَ عوضٌ عن المضافِ إليهِ وما بينَهما اعتراضٌ. {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا} أي بينَ النَّارِ يُحرقُون بَها {وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ} ماءٍ بالغٍ من الحرارةِ أقصَاها يُصبُّ عليهم أو يُسقون منْهُ، وقيلَ: إذَا استغاثُوا من النارِ أغيثُوا بالحميمِ. {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وقد أُشيرَ إلى سرِّ كونِ بيانِ أمثالِ هذه الأمورِ من قبيلِ الآلاءِ مِرَاراً.
{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ} شروعٌ في تعدادِ الآلاءِ الفائضةِ عليهم في الآخرةِ بعدَ تعدادِ ما وصلَ إليهم في الدُّنيا من الآلاءِ الدينيةِ والدنيويةِ واعلمْ أنَّ ما عُدِّدَ فيمَا بينَ هذه الأيةِ وبين خاتمةِ السورةِ والكريمةِ من فنونِ الكراماتِ كَما أنَّ أنفسَها آلاءٌ جليلةٌ واصلةٌ إليهمْ في الآخرةِ، كذلكَ حكاياتُها الواصلةُ إليهم في الدُّنيا آلاءٌ عظيمةٌ لكونِها داعيةً لهم إلى السَّعِي في تحصيلِ ما يُؤدِّي إلى نيلِها منَ الإيمانِ والطَّاعةِ وأنَّ ما فُصِّلَ من فاتحةِ السُّورةِ الكريمةِ إلى قولِه تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} من النعمِ الدينيةِ والدنيويةِ والأنفسيةِ والآفاقيةِ آلاءٌ جليلةٌ واصلةٌ إليهم في الدُّنيا وكذلكَ حكاياتُها منْ حيثُ إيجابُها للشكرِ والمثابرةِ على ما يُؤدِّي إلى استدامتِها، وأمَّا مَا عُدِّدَ فيمَا بينَ قولِه تعالى سنفرعُ لكُم وبين هذهِ الآيةِ من الأحوالِ الهائلةِ التي ستقعُ في الآخرةِ فليستْ هيَ من قبيلِ الآلاءِ وإنَّما الآلاءُ حكاياتُها الموجبةُ للانزجارِ عمَّا يُؤدِّي إلى الإبتلاءِ بَها من الكفرِ والمعاصِي كَما أُشيرَ إليهِ في تضاعيفِ تعدادِها. ومقامُه تعالَى موقفُه الذي يقفُ فيه العبادُ للحسابِ يومَ يقومُ النَّاسُ لربِّ العالمينَ، أو قيامُه تعالَى على أحوالِه من قامَ عليهِ إذا راقبَهُ، أو مقامُ الخائفِ عندَ ربِّه للحسابِ بأحدِ المعنيينَ. وإضافتُه إلى الربِّ للتفخيمِ والتهويلِ أو هو مقحمٌ للتعظيمِ.
{جَنَّتَانِ} جنةٌ للخائفِ الإنسيِّ وجنةُ للخائفِ الجنيِّ فإنَّ الخطابَ للفريقينِ فالمَعْنى لكلِّ خائفينِ منكُما أو لكُلِّ واحدٍ جنةٌ لعقيدتِه وأُخرى لعملهِ، أو جنةٌ لفعلِ الطاعاتِ وأُخرى لتركِ المعاصِي، أو جنةٌ يثابُ بَها وأُخرى يتفضلُ بها عليهِ أو روحانيةٌ وجسمانيةٌ وكذا ما جَاء مَثْنى بعدُ.


{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وقوله تعالى: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} صفةٌ لجنَّتانِ وما بينهُمَا اعتراضٌ وُسّطَ بينهُمَا تنبيهاً على أنَّ تكذيبَ كلَ من الموصوفِ والصفةِ موجبٌ للإنكارِ والتوبيخِ والأفنانُ إمَّا جمعُ فَنَ أيْ ذَوَاتا أنواعٍ من الأشجارِ والثمارِ، أو جمعُ فَنَنٍ أي ذَوَاتا أغصانٍ متشعّبةٍ من فروعِ الشجرِ وتخصيصُها بالذكرِ لأنها التي تورقُ وتثمرُ وتمد الظلَّ {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} وليسَ فيها شيءٌ يقبلُ التكذيبَ.
{فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} صفةٌ أخرى لجنتانِ أي في كلِّ واحدةٍ منهما عينٌ تجري كيفَ يشاءُ صاحبُها في الأعالي والأسافلِ، وقيلَ: تجريانِ من جبلٍ من مسكٍ، وعن ابنِ عبَّاسٍ والحسنِ: تجريانِ بالماءِ الزلالِ إحداهُما التسنيمُ والأُخرى السلسبيلُ، وقيلَ: إحداهُما من ماءٍ غيرِ آسنٍ والأُخرى من خمرٍ لذةٍ للشاربينَ قالَ أبو بكرِ الورَّاقُ: فيهما عينانِ تجريانِ لمن كانتْ عيناهُ في الدُّنيا تجريانِ من مخافةِ الله عزَّ وجلَّ {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}. وقولُه تعالَى {فِيهِمَا مِن كُلّ فاكهة زَوْجَانِ} أي صنفانِ: معروفٌ وغريبٌ أو رطبٌ ويابسٌ، صفةٌ أُخرى لجنَّتانِ. وتوسيطُ الاعتراضِ بينَ الصفاتِ لمَا مرَّ آنِفاً {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}.

1 | 2 | 3 | 4